الاثنين، 23 مايو 2011

مصر والمجلس العسكرى الحاكم


المصريون والمجلس العسكرى
        المجلس العسكرى الذى تعهد فى اول ايام الثورة بمشروعية طلبات الثوار , وتقدم للشعب بعدد من البيانات التى تؤكد ان المجلس لم ولن يتصدى للثوار لاقتناعه بمشروعية ما يطلبون , هو نفسه الذى فاجا الجميع بمجموعة من القرارات الفردية من جانبه فقط دون النظر لرغبات وتطلعات الثوار والذين هم فى الواقع جماهير الشعب المصرى على اختلافها وتنوعها, ولم تكن تلك القرارات ابدا وفى جميع مراحلها معبرة عن الحالة الثورية , واتسم اداءه بالبطء الشديد , ومارس الحكم بنفس منطق وصلاحيات النظام القديم , وكثير من الطلبات لم تكن تتحقق الا بالضغط الشعبى والاضرابات والاحتجاجات , وكثير مما كان يتطلع اليه الثوار لم يتحقق , فلا المجلس شكل لجنة لصياغة دستور جديد تتم على اساسه عمليات مباشرة الحقوق السياسية من اختيار رئيس جديد على اسس ومعايير جديدة تلبى متطلبات الديمقراطية البرلمانية , وكذلك انتخاب مجلس تشريعى معبر عن الارادة الشعبية , ولم تتم عمليات المحاكمة لرؤوس الفساد الا بعد مظاهرات مليونية حاشدة شهدت الكثير من الشد والجذب بين الشعب والمجلس , تم اصدار بيان دستورى بعد استفتاء على تعديل بعض مواد الدستور القديم بالموافقة على التعديل وكان الاولى الاستفتاء على جملة بنود الاعلان الدستورى والا ماقيمة الاستفتاء , فضلا عن نقل جميع صلاحيات الرئيس فى الدستور القديم الى المجلس العسكرى , ثم صدر قانون احزاب معيب ومخيب للامال حيث لم ينص فيه على عدم قيام الاحزاب على اسس دينية دون الرجوع او مناقشة الراى العام , ثم قانون مباشرة الحقوق السياسية ايضا فى غيبة الراى العام ومتطلباتة , ثم كان قرار تعيين المحافظين بنفس اسلوب النظام السابق باختيار افراد لايحققون الحد الادنى للرضا الشعبى واغلبهم من ضباط الشرطة المتورطين فى قتل وتعذيب المواطنين , وعندما احتج اهل قنا لم تكن هناك مبادرة سريعة للحل تحت شعار هيبة الدولة وهو شعار مضلل وغير حقيقى لان الثورة ما قامت الا من اجل رفض هذا النمط من السلوك المتصادم مع حاجات الجماهير , ونفس المنطق فيما يتعلق بالقيادات الجامعية الفاسدة بحجة سيادة القانون , اى قانون والدستور برمته قد سقط وقد تم التعامل مع الطلبه بكل قسوة وتشدد , ورغم ذلك فان اصرار الجماهير يؤدى فى كل مرة الى تصادم بين الجماهير والمجلس , ورغم اعتراف المجلس بان فلول الحزب الوطنى المنحل تنخر فى استقرار البلد مثل السوس الا انه حتى الان لم يقم بحل الجالس الشعبية المحليةوالتى تتكون فى غالبيتها الكبرى من هذه الفلول الفاسدة , وهى مجالس ليس لها الان اى صلاحيات فى ظل الظروف الراهنه , كما ان قضية الانضباط الامنى لم تتحقق حتى الان نتيجة التخاذل فى محاكمة القيادات الشرطية التى تسببت فى الفرار الامنى وتهريب المساجين وقتل المتظاهرين وهى جرائم كانت تتطلب السرعة فى اجراءات المحاكمة امام محاكم عسكرية نظرا لان جهاز الشرطة بوضعه الحالى هو تنظيم شبه عسكرى ويحمل ضباطه نفس رتب القوات المسلحة , فضلا عن اعادة هيكلة جهاز الشرطة وتغييرة اذا تطلب الامر فمالم يتم انجازه الان لن ينجز قط , كما ان الحوار الوطنى لايعبر عن نيه فى احترام مايتوصل اليه من توصيات , حيث يجرى الحوار فى جانب وتصدر القرارات والمراسيم منفردة من المجلس الغسكرى وحة واغلب تلك المراسيم قاصرة ومحدودة وغير معبرة عما يجب ان تكون عليه الامور , فضلا عن كثافة اشراك قيادات الحزب الوطنى المنحل ممن اسهموا فى فساد الحياة السياسية قبل الثورة واغلبهم من اعمدة تزوير الانتخابات فى جلسات الحوار الوطنى الذى تحول الى مكلمة لن تحقق الهدف منه حيث ان المجلس العسكرى لايستمع الى اراء وتوجهات احد من القوى الشعبية المتطلعة الى التغيير, ميل المجلس فى الحقيقة الى التيارات الاسلامية سواء المتشدده منها او ذات اتجاه الاسلام السياسى بل ان المجلس العسكرى من البداية منحها اكبر من حجمها بكثير , وكذلك معالجة احداث الفتنه الطائفية بشكل سىء ومغلوط فلم تتم محاكمة او محاسبة اى متورط خاصة من جماعات الاسلام السياسى والسلفيين اى تغييب القانون وبما يترتب عليه من انتشار الفوضى وسيادة البلطجة , كما خرج علينا المجلس العسكرى بحملة ترويع وتخويف من ضعف وانهيار الاقتصاد المصرى وافلاسه وعزو ذلك الانهيار والضعف للثورة والاضرابات المطالبة بالحق والحرية وهى دعوباطلة فى معناها ومبناها , لان الضعف كما يعلم الجميع سببه سياسات النهب والسرقة فى النظام السابق وعجز وضعف الوزارة الحالية عن التعامل بجدية واحترافية لمعالجة المشكلات القائمة , وهو امر يمكن القيام به بنجاح اذا تنحت هذه الحكومة الهزيله والمشلولة بفعل تدخل المجلس العسكرى فى شئون الوزارة وتقييد حريتها فى العمل والاختيار, فضلا عن عدم اصدار القوانين المناسبة فى الوقت المناسب , وكذلك اصدار بالون اختبار حول العفو عن الرئيس المخلوع لمعالجة المشكلات الاقتصادية القائمة والتى لن تحل الا بالعفو عنه , مما تسبب فى مزيد من الاحتقان والغضب الشعبى الذى مازالت دماء ابناءة لم تجف بعد من جراء الاستخدام المفرط للقوة من قبل قيادات وراس النظام المنحل , ومازال المجلس مصرا على اجراء الانتخابات البرلمانية والرئسية قبل اصدار دستور جديد ينشا فى ظل برلمان معلوم سلفا طبيعة القوى السياسية الممثلة فيه والتى اغلبها من قوى الاسلام السياسى .
  د. عوض مطواح  الاسكندرية مايو 2011

الأحد، 22 مايو 2011

فى العملية الانتخابية


ملاحظات حول ادارة الانتخابات والاستفتاءات
.
كما كان يتم التواطؤ مع مرشحى السلطة بتزويدهم ببطاقات ألإنتخاب بعيدا عن أعين أصحابها ألأصليين لكى يعبثوا بها فى عمليات تزوير متعمد من خلال عصابات تتولى عمليات الإقتراع بأشخاص مأجورين يدورون على اللجان ببطاقات إنتخابية لاتنتمى لأى منهم حيث لايتطلب ألامر أن تتم عمليات ألإقتراع ببطاقات الهوية الشخصية للمقترعين ، علاوة على عدم تصفية الجداول من الموتى والمهاجرين والصادر ضدهم احكام بالحرمان من مباشرة الحقوق السياسية لأسباب جنائية ، فى الوقت الذى يمارس فيه الضغط على الراغبين فى القيد بالجداول فى المواعيد الرسمية من غير أعضاء الحزب المسيطر وعدم تمكينهم من القيد إلاعن طريق إجراءات معقدة وشبه مستحيله مما كان يسبب فى كثير من ألأحوال إحجام الكثيرين عن إستخراج تلك البطاقات .
.
كما يجب ان تتسم اعمال هذه اللجنة بالشفافية والوضوح والعلنية والحيدة التى تمكن المراقبين والناخبين من التعرف على سلامة وصحة الاجراءات , وبما يضمن حياد جهات الاشراف والموظفين العموميين المكلفين بتسيير العمليلت الانتخابية , وكذلك توفير الضمانات العلنية الكافية والمتعلقة بطباعة وتظريف استمارات ابداء الرأى او الاستفتاء سواء كانت تتعلق بالاستفتاءات او الانتخابات الرئاسية او التشريعية او غيرها مما يستجد من عمليات اقتراع سواء للمحافظين او اعضاء اللجان الشعبية المحلية او اية انتخابات عامة فى اى قطاع او وظيفة من وظائف الدولة فى ظل مجتمع ديمقراطى يضمن مشاركة جميع المواطنين فى اختيار من يرونهم اولى بتمثيلهم او قبول التكليفات الشعبية بالنزاهه والكفاءه المطلوبة بما يضمن طباعة الاعداد الصحيحة وفق اعداد الناخبين الحقيقيين فى كل دائرة من الدوائر الانتخابية مع اضافة 10% فقط لمواجهه اى مواقف محتملة وان يتم تظريف تلك البطاقات بمحاضر ولجان وفق اعداد الناخبين بحيث لاتترك اى فرصة للتلاعب او الشك فى سلامة العمليات الاجرائية وبما يمنع سوء استخدام تلك البطاقات وتسربها كما كان يحدث فى السابق وكذلك تغليظ العقوبة الجنائية فى حالة المخالفة وتسرب بطاقات ابداء الراى بعيدا عن سلطات الاشراف والرقابة الشعبية والدولية مع الالتزام بمبدا الشفافية والعلانية فى جميع مراحل العمليات الانتخابية منذ فتح ابواب الترشح وفق قواعد محدده وميسرة ومقبولة من الكافة وبما يضمن ازالة كافة العراقيل الادارية والتى تقف حجر عثرة فى سبيل سلامة العمليات والاجراءات والتى من شانها توجيه عمليات الانتخاب الى غير هدفها فى انشاء حياة ديمقراطية حقيقية وحرة ونزيهه , وحتى اعلان النتائج بصورة علنية تضمن الرقابة والافصاح وبما يكسب تلك العمليات الثقة فى المستقبل وسيادة القانون .
ويجب فى هذا الخصوص الاهتمام باعداد وتنقية جداول الناخبين وفق مناطق سكنهم بما يضمن عدم قيد المواطن فى اكثر من دائرة انتخابية , وبما يضمن استبعاد اسماء الموتى من تلك الكشوف من واقع قاعدة بيانات الرقم القومى , بحيث تتم الاضافة والحذف اليا وفق برامج متطورة للحواسب الالية وقاعد بيانات منضبطة , كما يجب ان يتعرف كل ناخب على لجنته الانتخابية قبل مواعيد الاستفتاء بوقت كاف , وحبذا لو يتم تثبيت هذه اللجان بحيث تجرى العمليات الانتخابية بسلاسة ويسر , وبما يعمل على تشجيع المواطنين على مباشرة حقوقهم السياسية والمشاركة الايجابية فيما يحقق البناء والنمو الديمقراطى المنشود .
ويجب فى هذا الخصوص تحديد دور الامن بدقة بحيث لايشمل الاحفظ الامن من خارج اللجان , وكذلك القضاء على بلطجية الانتخابات ومراقبة عمليات الرشوة الانتخابية التى درج عليها رموز واتباع النظام السابق , وهو دور مطلوب وايجابى يضمن حياد الشرطة وعدم تدخلها فى العملية الانتخابية ذاتها , وبما يكرس ويعمق مفاهيم المواطنة والمشاركه الشعبية فى مباشرة الحقوق السياسية .

د. عوض مطواح   الاسكندرية  مايو 2011

نظرات فى قانون العمل الموحد


عمال مصر والحركة النقابية والقوانين العمالية
        فى الوقت الذى يحتفل فيه جميع عمال العالم بعيد العمال وماحققته الحركة العمالية عبر تاريخها الطويل من مكاسب فى مقابل ا رباب العمل ، نجد ان العمال المصريين يجترون الامهم واحزانهم على ما فقدوه من حقوق وامتيازات عبرنضالهم الطويل ، وذلك بسبب خيانه القيادات النقابية المزيفة والتى استطاعت عبر سنوات طويلة من حكم النظام السبق ان تسرق هذه المكتسبات ، وان تتآمر مع نظام الحكم السابق باختزال هذه المكاسب والالتفاف عليها بالحيلة ووالمماطلة نظير مكاسب شخصية ، وفى كثير من الاحيان بدون ثمن فيما عدى التمتع بمراكز قيادية فى البناء العمالى غير الديمقراطى والتى تسيطر عليه قيادات منذ ما يزيد على اربعين عام من عمر الاتحاد العام للعمال ، والذى كان يعين فى الغالب وزير القوى العاملة من بين قياداته الورقية من العناصر التى يسهل السيطرة عليها ، وكذلك وكيل مجلس الشعب عن العمال ، ورئيس لجنة العمل بمجلس الشعب ، فمن اجل هذه المناصب تم بيع القضايا العمالية والحقوق العمالية واصبح اتحاد العمال ممثلا لاصحاب الاعمال ومدافع شرس عن مصالحهم وليذهب العمال الى الجحيم .
        استطاع العمال المصريون بعد نضال مرير ولسنوات طويلة تحقيق العديد من المكاسب والتى حفظتها لهم القوانين المنظمة للعمل فى مصر، وكان من بينها تحديد ساعات العمل واحقية العامل فى الاجازات السنوية والمرضية بأجر كامل ، وضمان الحد الادنى للاجور والمكافآت والحوافز, والتامين الصحى , والتأمينات الاجتماعية , والمشاركة فى عضوية مجالس الادرات بالشركات والهيئات التى يعملون بها , والمشاركة فى الارباح السنوية , واحقية تكوين نقابه عمالية فى اى شركة او هيئه يزيد عدد العاملين بها عن خمسين عاملا , وكثير من المكاسب التى ضمنها لهم القانون 48لسنة 1978 الخاص بالعاملين فى شركات القطاع العام والذى تحول فيما بعد الى قطاع الاعمال العام قبل تصفيته وبيعه بأبخس الاسعار للمحاسيب والاقارب من المغامرين واللصوص وناهبى اموال الشعب فى صفقات مريبة ومعيبة فى آن واحد , وكذلك القانون  137 لسنة 1981 فى شأن عقد العمل الفردى والذى ضمن الحقوق العمالية , وضمن فى الوقت ذاتة حق التقاضى امام المحاكم العمالية التابعة للقضاء المصرى العادى ، وكان القانون هو الفيصل فى اى خلاف ينشأ بين العمال وارباب الاعمال وبما يحافظ على حقوق جميع الاطراف , وكان ارباب الاعمال على علم ورضى وموافقة على تلك القوانين , وكانت مكاتب العمل مسئولة عن متابعة تطبيق تلك القوانين واحالة المخالفات للقضاء المصرى للفصل فيها وذلك حفاظا وضمانا لحقوق جميع الاطراف , وكانت مكاتب العمل بالاحياء والمديريات هى الرقيب على حسن تطبيق القانون واحترامه من قبل الجميع سواء اصحاب الاعمال او العاملين , كما كان لايجوز فصل العامل الاوفق القواعد التى نظمها القانون وبما يحفظ للعاملين جميع حقوقهم المشروعة .
        ثم ظهرت اتجاهات حديثة لتعديل قوانين العمل وفقا لمصلحة ارباب الاعمال دون سواهم وذلك عندما تولى الكثير منهم مواقع وزارية فى الوزارات السابقة , فلم يكن يكفى ابداً تصفية شركات القطاع العام ( قطاع الاعمال العام ) والقضاء على الطاقات المنتجة فى المجتمع بدعوى الانخراط فى الاقتصاد العالمى وفق اتفاقيات الجات للتجارة الحرة , وهى دعوة باطلة فى اساسها لأن الانخراط فى الاقتصاد العالمى يتطلب توافر الكفاءة والجدارة الاقتصادية التى تخول للاقتصديات المحلية ا لمشاركة فى السوق العالمى و حتى تكون هناك منافسة حقيقية وتبادل حقيقى للمنافع والمصالح .
 وحتى يفتح الباب على مصراعيه للاستيراد ولصالح حفنه من المتسلقين والطفيليين وتحت شعار الحرية الاقتصادية وحرية السوق والياته وفق متطلبات اتفاقية الجات , وتعليمات البنك الدولى  وصندوق النقد الدولى , تم القضاء على الطاقات الانتاجية فى المجتمع , وتحول المجتمع لاقتصاديات المغامرة والفهلوه لاستيراد جميع السلع والخامات على حساب المنتج المحلى , وعلى حساب الاقتصاد الوطنى , وعلى حساب الطبقة العاملة المصرية ، وسوق العمل المصرى الذى اصبحت فرص التوظيف فيه محدودة بل وشحيحة وشبه منعدمة , وحيث تم القضاء على اعداد كبيرة من العاملين عن طريق نظام المعاش المبكر والذى احال اعداد كبيرة من العمال المهره الى المعاش المبكر وهم على اعلى مستوى من الخبرة والكفاءه لينضموا بذلك لقوى البطالة والعاطلين عن العمل , ولمجاملة ارباب العمل الجدد من المغامرين والمتطفلين ولمصلحتهم دون سواهم قامت حكومة رجال الاعمال بالغاء قوانين العمل السائدة واصدار قانون العمل الموحد رقم  12لسنة 2003 لتصفية جميع الحقوق العمالية المكتسبة عبر ما مضى من زمن كافحت فيه هذه الطبقة من اجل اكتساب تلك الحقوق والعمل على ترقيتها وزيادتها , وتمكين تلك الطبقة والتى تجاوز عمر تنظيماتها قرن كامل من الزمان وتعد نقاباتها اقدم النقابات العمالية فى المنطقة .
 وقد صيغ هذا القانون ليسمح بكل بساطة من فرض سلطة وجبروت ارباب الاعمال دون اى ضمان لاستقرار العمال او ضمان حقوقهم , واعطى هذا القانون لارباب العمل حق فصل العامل بدون اية حقوق ، كما كف يد مكاتب العمل عن المتابعة والتفتيش على منظمات الاعمال , واصبحت عقود العمل لاقيمة لها بحجة تشجيع الاستثمار , وبلغ من الطغيان على حقوق العمال ان اصبحت المحاكم العمالية لا تتبع القضاء العادى ، بل هى محاكم ذات تشكيل خاص يستحيل معه تشكيلها , ولم تنعقد محكمة واحدة طوال المدة المنقضية من عمر القانون فى اى مكان داخل الجمهورية منذ بدأ العمل بهذا القانون , بل ان كثيرا من المنظمات والوزارات والهيئات الحكومية لجأت لتطبيق هذا القانون الظالم والذى يتيح لتلك المنظمات التلاعب بالعاملين بالمخالفة للقانون 47 لسن74 فى شأن العاملين المدنيين بالدولة , ومعنى هذا ان الدولة المصرية المسئولة عن حقوق الافراد والعاملين اصبحت هى اول من يخالف القانون واول العاملين على القضاء على الحقوق الطبيعية والمكتسبة بالمخالفة للدستور والقانون الذى تحول الى اداه للقهرفى يد من بيدهم حفظ الحقوق والمحافظة عليها .
        ولقد بلغ الاستهتار بحقوق العمالة المصرية ان تم اختراع انماط جديده وغير مسبوقة من منظمات التوظيف , بالمخالفة لاى قاعدة او قانون وذلك للتلاعب بالقوى العاملة اى كان تخصصها وتأهيلها وكفاءتها ، فقد تم انشاء منظمات  او شركات توظيف تعرف باسم Companies  Sources  Out وهى شركات يتركز نشاطها فى الاتجار بالقوى البشرية المؤهلة والمدربة  , والتى تقوم هذه الشركات بتوريدها للبنوك والشركات والمنظمات كسمسار او مقاول انفار , دون ادنى مسئولية على تلك الجهات المستفيده من جهود وخبرات هؤلاء العاملين ، حيث يتقاضون مرتباتهم المجردة من تلك الشركات الموردة للعمالة تحت ضغط ندرة الوظائف وبالمخلفة حتى للقانون 12 لسنة 2003 سىء السمعة , لهذا الحد بلغ الاستهتار بالقوى العاملة المصرية , وبذا قد تحولت القوى البشرية فى مصر الى مجرد اقنان جدد فى سوق العمل المصرى , فى ظل ارباب اعمال لايبحثون الاعلى الربح الخالص دون الاعتبار الى اية قواعد او اسس ادارية او انسانية , بمعنى ان اتسع مجال النشاط الحر فى ظل سياسات التحرر الاقتصادى المزعوم الى الدرجة التى تسمح بالاتجار فى القوى البشرية تحت مسميات شركات توظيف العمالة , وان تحل محل الدولة ووزارة القوى العاملة والمنوط بها هذا الدور منذ ان انشأت هذه الوزارة , واصبح مفهوم الاستثمار متسعا ليشمل الخدمات الاساسية والتى هى من اهم واجبات الحكومة فى ظل محدودية الموارد الاقتصادية وانخفاض الكفاءة الاقتصادية وغياب التخطيط العلمى للاقتصاد المصرى وفق الظروف المحلية , وذلك دون النظر للاوجه المختلفة للاستثمار والتى يجب ان تركز فى ظل الاوضاع الحالية على الاستثمارات الانتاجية والصناعية والتى من شانها زيادة الانتاجية وتنويعها لتغطية احتياجات السوق المحلية ولتوسيع قاعدة التصدير لتوفير العملات الصعبة والتى يواجه المجتمع المصرى ندرة شديده فيها   .
        كل ذلك قد تم بمباركة وموافقة اتحاد عمال مصر المفترض فيه انه المعبر عن مصالح الطبقة العامله المصرية والمحافظ والمدافع عن حقوقها والمتحدث باسمها , وذلك وفق الاتفاقيات الدولية وتعليمات الاتحاد العالمى للعمال ، والذى يعد الاتحاد المصرى احد اعضاءه ولكن اعضاء الاتحاد الذين وصلوا الى قيادته بمباركة واختيار مباحث امن الدولة بعيدا عن الانتخابات الحرة , والذين حولوا الاتحاد المفترض فيه انه منظمة مدنية حرة الى منظمة حكومية رسمية , والذين تركوا مواقعهم فى حقول العمل الميدانى فى المصانع وتفرغوا للعمل النقابى الشكلى منذ ما يزيد عن اربعين سنه , وتفرغوا تماما لهذا العمل مع الحصول على كافة الامتيازات والرواتب من الدولة , مع ان المفترض ان العمل النقابى عمل تطوعى واذا حصل احدهم على اجر نظير عمل حقيقى فيجب ان يتم ذلك من ميزانية الاتحاد الممول من اشتراكات العاملين ، وقد آن الآوان ان يعاد بناء المنظمات النقابية العمالية على اسس موضوعية وفق رغبات وحاجات جماهير عمال مصر , وان يتم بناء كافة المستويات النقابية عن طريق الانتخاب الحرو المباشر والذى تشارك فيه جميع القوى العاملة والتى هى الاساس التنظيمى لتكوينة , والمستفيدة من انشطته ونضاله فى سبيل اعادة الحقوق العمالية , وبما يضمن نمو هذا القطاع وتطويره ليواكب الحاجات المستجدة والحقيقيه لجماهير عمال مصر .
        لقد تحول البناء النقابى المصرى الى هيكل بيروقراطى ضخم , وتحول الاتحاد العام للعمال فى مصر الى اتحاد نقابات وليس اتحاد للعمال كما يفهم من اسمه , واصبح قادته والبالغ عددهم اربعة وعشرين الف قيادة بيروقراطية اقرب للموظفين منهم للطبقة العاملة والمفترض انها هى التى قامت بأختيارهم , وذلك لكى يكونوا ممثليهم والمدافعين عن حقوقهم والمعبرين عن احتياجاتهم , ولقد استمرت تلك القيادات فى مواقعها سنوات طويلة فى ظل غياب عمليات ديمقراطية تسمح باكتشاف قيادات عمالية جديدة اقدر على التعبير عن مصالح الطبقة والدفاع عنها , وتحول بذلك هذا الاتحاد الى بناء تنظيمى بيروقراطى بغير وظيفه عمالية نقابيه حقيقية , وتحول قادته العماليين الى قيادات حزبية تمثل ركنا هاما من النظام الفاسد والذى يعد فى الحقيقة هو الخصم الحقيقى للطبقة العاملة , لانه اصبح نظاما معبرا فقط عن مصالح طبقة رجال الاعمال والمستثمرين المغامرين فى قطاعات الخدمات الاساسية على حساب المجتمع وعلى حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن ككل .
        اما عن نصوص قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته فى القانون 180 لسنة 2008فهى عمليات ترقيع لاتغير من الواقع فى شىء لأن الاساس الذى اعتمد عليه اصدار هذا القانون منذ البداية هو مجاملة رجال الاعمال والمستثمرين الذين اتيحت لهم كل الفرص لنهب واستغلال جميع طاقات المجتمع لصالحهم وارباب السلطة دون احداث تنمية من اى نوع فى اى قطاع من قطاعات الدولة المختلفة , بل لقد تحول هذا القانون وتعديلاته الى اداة بطش بقوة العمل المصرية , فحتى القطاعات التى تم النص على ان احكام هذا القانون وتعديلاته لاتسرى عليها اتخذت من مواد هذا القانون اداة لاستغلال القوى العاملة المصرية بكافة تخصصاتها , واصبح الاساس الذى يتم عليه التوظيف فى كافة الادارات الحكومية هو عقد العمل محدد المدة وهو الاستحداث الذى لم يكن موجودا فى التشريعات السابقة , والذى يتم بمقتضاة التخلص من القوى العاملة فى اى وقت تريده جهه العمل بدون اى ضمانات للعاملين المستغنى عنهم , وبما لا يحقق الامن والاطمئنان للعاملين سواء فى ادارات الدولة او الهيئات والمنظمات والشركات والبنوك وكافه المؤسسات .
        ففى الوقت الذى تحولت فيه ادارات شئون العاملين فى المنظمات والمؤسسات والشركات الى ما اصبح يعرف بادارة القوى الشرية , وذلك على اعتبار ان القوى البشرية هى اثمن واغلى واهم عناصر ومدخلات الانتاج, ومن خلال هذا المظور فان حتى نظم الادارة الحديثة اصبحت تتخذ من القاعد العلمية للادارة الحديثة المعتمدة على ادارة السلوك الانسانى فى المنظمات استراتيجية ادارة القوى البشرية , حيث ان الهياكل الادارية هى عبارة عن خرائط منتظمة فى الهيكل التنظيمى , ولكنها فى الحقيقة هى مجموعة من البشر تتنفس وتعيش وتحلم ولها احتياجات اساسية واحلام وامال فى الترقى والنمو وتحقيق الذات , وما لم تستطع المنظمات تحقيق تلك الاهداف بما يشعر العاملين بالرضا عن اعمالهم فان الروح المعنوية للعاملين ستكون منخفضة , وبالتالى الانتاجية ستقل ولن تتحقق الاهداف بالدرجة المرجوة ولا بالجودة المطلوبة , فالعامل لكى ينتج لابد له من توافر اسباب وعوامل الامان الوظيفى والنفسى , ولابد ان يكون مكان العمل من الاماكن المحببه اليه , كما يجب ان تكون ظروف العمل مهيأه لكى يتمكن العامل من تحقيق اعلى انتاجية باعلى كفاءة ممكنه , وهذا امر قديم معلوم لجميع دارسى الادارة الحديثة منذ ما يقرب من قرن كامل من الزمان , اى ان هذا الامر هو بمثابة البديهية لأى تخطيط وظيفى محتمل .
        من العلم ان اهم فلسفات ومبادىء الادارة الحديثة لأى منشأه او منظمة او هيئة لكى تنجح وتحقق الكفاءة المطلوبة عليها ان تحقق ثلاثة اهداف اساسية :
        1ـ ان تحقق الاهداف التى انشأت من اجلها فالمنظمة التعليمية مثلا عليها ان تقدم التعليم الجيد وفق المعايير المعترف بها فى المجتمع بحيث لايضطر الافراد للاستعانة بغيرها لتحقيق هذا الهدف , وكذلك المنظمات الصحية ومكاتب الخدمات والمصانع وجميع اشكال التنظيم فى المجتمع  حتى التنظيم العسكرى فى حد ذاته , وكلما اخفقت المنظمات فى تحقيق ذلك كلما فقدت مصداقيتها ودورها فى الحياة الاجتماعية , ومصيرها الى الفشل والاغلاق لتحل محلها تلك القادرة على تقديم والقيام بالادوار المطلوبه منها .
        2 ـ لابد لكل منظمة من تحقيق الاهداف التى ينتظرها المجتمع منها , بمعنى ان تكون وظائف المنظمات وادوارها هى تماما ما يحتاجة المجتمع وما يتوقعه منها بالجودة والبساطة والاتاحة التى تمكن افراد المجتمع من الاستفادة من تلك الاهداف , لأنه عندما تفشل هذه المنظمات عن تقديم الخدمة او السلعة لجمهور المستهدفين والذين تتوافق حاجاتهم مع ما يقدم لهم وفق رغباتهم واذواقهم وميولهم التفضيلية وبيئاتهم الاجتماعية والاقتصادية , فانهم بالضرورة سينفصلون عنها ويبحثوا عمن يحقق لهم احتياجاتهم .
        3 ـ ان تحقق اهداف العاملين بها لأنهم هم وحدهم القادرون على تحقيق اهداف المنظمات وجمهور المستهدفين , وكما سبق الشارة فان السلعة او الخدمة لاتصبح قادرة على اشباع رغبات المنتجين والمستهلكين الا بجهد وكفاءة القوى البشرية التى خلقت هذه الخدمة او السلعة واكسبتها صلا حيتها على اشباع الحاجات والرغبات المتباينه , وهذه القوى البشرية تحتاج لظروف العمل المناسبة والتى من بينها القواعد والاسس العادلة والتى تمكنها من العمل والانجاز بالكفاءة والفعالية المطلوبة , كما ان هذه القوى تحتاج الى الدخل الذى يحقق لها احتياجاتها وبما يضمن لها حد الكفاية الذى يحفظ عليها حياتها , وتحتاج فوق كل ذلك للتقدير والاحترام واثبات الذات وتحقيق طموحاتها فى التطور والنمو والترقى والتدريب الذى يرفع كفاءتها وكفاءة المنظمة بالتالى , وغير ذلك من الامور التى يجب على المنظمين وارباب الاعمال مراعاتها عند التخطيط لمشاريعهم ومنظماتهم , ولذلك يعد الاهتمام بالحالة المعنوية للعاملين من اهم واجبات الادارة , وكذلك العمل على تحقيق الرضا الوظيفى والمهنى للعاملين فى المنظمة من اهم اسباب نجاح المنظمات ونموها.
        واذا لم تتحقق هذه الاهداف مجتمعة بالكفاءة والمرونة المناسبة فالطبيعى ان تفشل هذه المنظمات وتبدأ تظهر عليها اعراض الامراض المنظمية المعروفة , من انتشار الرشوة والتزويغ وانخفاض معدلات الكفاءة الانتاجية والجودة , فضلا عن الاحلال الهدفى للعاملين على حساب اهداف وتطلعات الجماهير واصحاب الاعمال والمنظمين , كما يشيع فى كثير من المنظمات ظهور تنظيمات الظل وهى التى تدير المنظمات فى الحقيقة وليس المدراء الرسميون .
        وفى ضوء تلك المقدمة السريعة عن الاتجاهات الحديثة فى الادارة نأتى لقانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003 والذى من المفترض ان يحل محل جميع القوانين السابقة عليه والمتعلقة بالعمل والعمال مثل : القانون رقم 137 لسنة 1981 والقانون رقم 48 لسنة 1978 والقانون رقم 203 لسنة 1991 , وان يتلافى العيوب التى ظهرت فيها ويحفظ للطبقة العاملة المصرية المكاسب التى حققتها خلال الحقبة الناصرية والتى شملت اكبر عملية تطوير للقطاعات الانتاجية والاقتصادية , واسهمت فى بناء قاعدة صناعية وانتاجية تمكن بها الوطن من تحقيق النمو الاجتماعى والاقتصادى للمجتمع , فضلا عن ان هذا الاقتصاد الناشىء هو الذى مكن الوطن من تحقيق الانتصار العظيم فى السادس من اكتوبر73 دون عون خارجى او اقتراض , وكذلك امتصاص الاعداد المتزايدة من قوة العمل مما قلل من البطالة وفتح العديد من فرص العمل للقوى الشابة من الخريجين والمواليد الجدد , وهو ما اسهم فى اشعار المواطنين بالامان الوظيفى , والذى مكن هذا المجتمع من الاستمرارومنحه القدرة على النموالذى استطاع ان يمتص موجات الغلاء والاضطراب , حتى ظهرت الدعوة لتصفية القطاع العام , والذى كان من نتيجته مايعانى منه الاقتصاد القومى من نقص حاد فى فرص التشغيل فى مقابل الزيادة السكانيه المهولة , وقد جاء هذا القانون مخيبا للامال التى كانت مرجوة من اصداره والتى يمكن ايجاز بعضها فيما يلى :
        1 ـ من القراءة المتانية لمواد هذا القانون الموحد يتضح ان هذا القانون من المفترض ان يطلق عليه قانون ارباب العمل وليس قانون العمل , حيث ارادت الدولة تقديم الحوافز والتسهيلات لارباب المال والمستثمرين ورجال الاعمال على حساب الطبقة العاملة المصرية الشريك الرئيسى فى البناء الاقتصادى المصرى , وعلى حساب الحقوق المكتسبة للطبقة العاملة , بل وقدمت لهم هذه الطبقة على طبق من ذهب وذلك على اعتبار ان المستثمر يجب ان لاتعيقه اى قيود عن البقاء والاستثمار بغض النظر عن نوع المشروع الاستثمارى وهدفة ومدى جدارتة الاقتصادية وفق منظور ومنهج وطنى وتخطيط اقتصادى واعى وعادل يضمن بناء قاعدة صناعية واقتصادية صلبة تؤدى الى تحقيق النمو بصورة معقولة , وبما يعمل على تنمية القطاعات الانتاجية وتطويرها وزيادة الدخل القومى بما يمكن معه التسامح فى الحقوق العمالية مؤقتا حتى يحدث النمو المنشود وتكون هنا للتضحية ثمنها , ولكن القانون فى حد ذاته اعطى لأرباب الاعمال والمستثمرين من الحقوق والحوافز مالم يحلموا هم به فى دولة نامية وفى بداية القرن الحادى والعشرين , وفى دولة من المفترض ان فيها وزارة للتخطيط ومعهد للتخطيط القومى , وكان عليها قبل منح الحوافز المجانية للمستثمرين ان تحدد المجالات الحيوية التى يسمح فيها بالاستثمار والانتاج , وبما يعمل على زيادة الدخل القومى والناتج المحلى الاجمالى وتنويعة وبما يضمن استمرار وطول اعمار المشاريع , وبما يقابل الاستهلاك المحلى وسوق التصدير .
        2 ـ استحدث القانون ولأول مرة مفهوم عقد العمل محدد المدة وذلك فى بلد يتسم بقلة فرص التوظيف وانعدامها وبما يعنى امكان اعفاء العامل بالفصل فى الاحوال التى بينها القانون , وهى كثيرة ومتنوعة وترتبط برغبة صاحب العمل فى اغلاق المشروع فى اى وقت يشاء حيث ان مواد القانون المتعدده تعطيه هذا الحق وفق قواعد هزيله تسلب حق العامل فى الاستقرار الوظيفى والامان فى مجتمع تندر فيه فرص العمل وتنعدم لان هذا القانون اعطى الفرصة للمستثمرين وارباب رؤوس الاموال للجوء الى المشاريع البسيطة ذات دورة راس المال السريع , ولم يقدم الجدية فى الاستثمارات الصناعية والخدمية الكبيرة كثيفة العمالة من ناحية وذات المردود الاقتصادى الجيد لكل من الوطن والمستثمرين الجادين وليس الهواه وتجار التجزأه , وبناءا على هذا النص اصبحت جميع الجهات والشركات تجرى جميع تعاقداتها مع العمال على هذا الاساس وتركت بقية بنود العقد , وكما سبق الاشارة ايضا فحتى الوزارات والهيئات الحكومية استخدمت هذا النوع من عقود العمل دون سواه بالمخالفة للقانون نفسة وبالمخالفة لقواعد العدالة , واصبح هذا النص قيدا على جميع الداخلين الى سوق العمل وهو الاساس الذى يتم بموجبه التوظيف وعلى العامل ان يظل بقية حياته خاضعا لسلطان هذا العقد حيث تفنن ارباب الاعمال على تجديد هذا العقد كلما انقضت فترته وبفاصل زمنى بين كل عقدين حتى لايعطى صفة الاستمرار .
        3 ـ كانت الفلسفة الادارية والقانونية الحاكمة لقانون العمل الموحد هى تكريس التبعية بين العامل وصاحب راس المال , وهذه الفلسفة هى تكريس لقيم اجتماعية عفى عليها الزمان حيث انها من بقايا ازمان واحوال اجتماعية تجاوزها التطور الاقتصادى والاجتماعى ليس فى مصر وحدها ولكن فى اغلب بلدان العالم تقريبا, فالاصل فى علاقات العمل هى علاقة المشاركة وليس علاقة التبعية , كما ان العلاقة بين العامل والمنظمة او المؤسسة او الهيئة التى يعمل بها هى علا تنظيمية فى اطار كل من القانون وقواعد العمل والالتزام داخل تلك المنظمات والتى تعرف ب :Code Of  Conduct   وهذه القواعد التنظيمية هى الاساس الحاكم للحقوق والواجبات داخل البناء المنظمى , اما علاقة التبعية فهى تعبر عن سلطتين احدهما سيدة والاخرى مسودة , علما بان القوى العاملة فى المنظمات رغم ان عددها يفوق اى اعداد اخرى داخل المنظمة هى الطرف الاضعف دائما مهما حصلت على بعض الحقوق والامتيازات , كم ان هذة العلاقة التى تروج لها فلسفة القانون هى فلسفة رجعية ومتخلفة من عصور الهيمنه والقهر ابان الاحتلالين العثمانى والبريطانى والتى تركز كل السلطات فى يد شخص واحد مهما كانت قدراته ومؤهلاته والتى غالبا ما ترقى الى مستوى السلطات والصلاحيات الممنوحه لهم , وعلى الباقين السمع والطاعة حتى ولو جانبت الاوامر الصادرة قواعد الرشد والصلاحية , والقواعد الموضوعية الصحيحة التى يتم فى اطارها مناخ العمل والاستثمار , وللاسف هذه هى الفلسفة السائدة فى جميع مجالات العمل والتى من بينها العمل الحكومى والادارى فى جميع قطاعات الدولة حتى فى الجامعات مما ترتب عليه غلبة السلطات الادارية والعقابية للمسئول الاول على حساب حقوق بقية المستويات وهى واحدة من اهم اسباب الفساد الادارى , وعجز اغلب المؤسسات عن ان تقوم بدورها الصحيح , فالسلطة مركزة فى يد رئيس الدولة بشكل مطلق وبدون اى اجراءات للمساءلة او الحساب , ونفس القول ينطبق على جميع مستويات القيادة فى جميع مرافق الدولة ومؤسساتها , حتى فى تحديد الاجور والمكافآت والتى غالبا ما يحصل المسئول الاول دائما على نصيب الاسد منها على غير مقتضى من الحق والعدل , لأن هو الذى يضع اللائحة المالية ويعتمدها , فضلا عن ترسانة القواعد والقوانين الممنوحة للمسئول الاول والتى يحتمى خلفها للتنكيل بمن هم دونه دون تحديد واضح للحقوق والواجبات , ودون وجود علا قة متزنة بين الرئيس والمرؤوس فى الحقوق والمسئوليات والتى غالبا ما يقع اثرها على المرؤوس دون الرئيس , ولكن ماتم النص عليه فى قانون العمل المشار اليه جعلت من العامل مجرد تابع وليس عضوا فاعلا فى تنظيم مؤسسى محكوم بتقسيم واضح وجلى للعمل يراعى التخصص والكفاءة والقدرة على الانجاز وبالتالى تحقيق الاهداف التى تتوخاها المنظمة  ونستخلص فى النهاية ان علاقات المل علاقات تنظيمية محكومة بالقواعد العامة والتنظيم الداخلى للمنظمات.
        4 ـ استحدث القانون وعلى غير مقتضى المنطق والقواعد العلمية للادارة تقسيم عناصر العلاقة فى مجال العمل بين العامل والمشروع وصاحب العمل , وكما سبق الاشارة فان علاقة العمل هى من المفترض ان تكون بين العامل والمنظمة التى يعمل بها وفق احكام القانون العادل والقواعد الداخلية المنظمة لتلك العلاقة فى كل منظمة على حدة , اما اقحام صاحب العمل فى تلك العلاقة فهو ايضا تكريس لعلاقة سيادة وتحكم وهى امور لاموجب لها على الاطلاق الا لقهر القوى العاملة على غير اساس من الواقع , او من قواعد الادارة الرشيدة , فكما هو معلوم انه فى نظم الادارة الحديثة فلابد من وجود فصل بين الملكية والادارة , حيث ان الادارة هى عمل مهنى وفنى وعلمى متخصص قد لايتوافر فى اغلب الاحيان لدى اصحاب رؤوس الاموال والمستثمرين , وحتى هذه الادارة المحترفة هى جزء من عناصر العمل فى المشروع فلا يجب افقادها دورها الاحترافى والذى هو فى صالح العمل فى حد ذاته فى الاساس , لأن هذا التضييق فى غير صالح المنظمة والاهداف التى تستدهدفها الادارة المحترفة , وهو ماتم الاصرار عليه فى مقدمة القانون واعتبارة على غير مقتضى الواقع من حسنات القانون وهو وضع لايوجد فى مكان من العالم الا فى مصر, لأن هذا التقسيم لاعلاقة له بتنظيم العمل بل هو نوع من المجاملة لأصحاب رؤوس الاموال والمستثمرين واثره على حسن العمل والانتاج ذو مردود عكسى .
        5 ـ كما سبق الاشارة الى هذا القانون هو قانون اصحاب الاعمل والاستثمار فانه افرط فى الحديث عن حقوق اصحاب الاعمال فى رقابة ومتابعة العاملين بل وايقاع العقوبات عليهم وفق لوائح يضعها اصحاب الاعمال , بمعنى ان صاحب العمل هو المدير المكلف بالسيادة والاشراف فى مصنعة وهو مخالف لابسط قواعد الادارة العلمية الحديثة , كما اتاح هذا القانون لصاحب راس المال السلطة فى ان ينهى الكيان المادى للمشروع متى بدا له ذلك ممكنا وبالتالى احقيته فى فصل العاملين حيث لم يصبح هناك مشروعا , وخطورة هذا الامر ليس فقط تسريح العاملين وفق مصلحة صاحب راس المال , ولكن ضرب الاقتصاد الوطنى فى مقتل باضعاف المنظمات والشركات والمشاريع الاقتصادية والتى تمثل جزء هام من الثروة الاقتصادية للمجتمع , وانتاجها هو هو واحد من مكونات الناتج القومى , وان مجموع الثروات المستثمرة فى المجتع هى المكونة للراس مال الاجتماعى للدولة ككل , وان مايترتب على عملياتها الاقتصادية من اجور وضرائب ورسوم ودمغات وخلافه هى المكونة للدخل القومى , وان اموال المستثمرين رغم ملكيتهم المطلقة لها هى فى مجموعها جزء من الثروة القومية فى صورة مشروعات ومنظمات وشركات وما الى ذلك من اشكال الملكية والتى هى مصانة بالدستور, ولكنها جزء من الثروة القومية .
        6 ـ تحويل الاشكال االاستثمارية للثروة الى مشاريع الفرص السريعة للكسب وتحقيق الثروة وليس الانتاج بغرض تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الثروات والدخول , وبالتالى احداث التنمية الاقتصادية وفق اسس وقواعد اقتصادية موضوعية بعيدا عن فلسفة الاستثمار لدى تجار التجزأه والذين لايسعون الا للربح السريع دون تحقيق ناتج قومى حقيقى , ليس هذا فحسب ولكن ايضا تنظيم العلاقة التعاقدية الخاصة بالتوظيف الى علاقة تتم تحت شروط الاذعان طرفاها غير متوازنين فى الحقوق والواجبات , طرفها الضعيف هم العمال رغم النص فى مقدمة القانون على غير ذلك الا ان الواقع التشريعى من خلال تحليل مضمون مواد القانون يشير الى عكس ذلك بالمرة , فضلا عن ان المفترض ان هذا قانون منظم للعلاقة بين طرفى العملية التعاقدية وليس قانونا للاستثمار وتحديد اشكال الشركات وطرق التعامل بين الشركاء واشكال دمج المنشآت وطرق الدمج والاتحاد وانتقال الملكية , وهى امور ينظمها اصلا القانون المدنى وليس قانون العمل , لان العامل غير معنى بذلك طالما المنظمة مستمرة ولايوجد ظرف قاهر يمنع استمرارها .
        7 ـ استحدث القانون تشكيل مجلس اعلى للاجور للبحث فى وضع حد ادنى للاجور على المستوى القومى بمراعاة نفقات المعيشة , وبايجاد الوسائل والتدابير التى تكفل تحقيق التوازن بين الاجور والاسعار , كما يختص المجلس بتحديد العلاوات السنوية الدورية , ولقد شكل هذا المجلس بالفعل وعلى مدى فترة سريان القانون والتى قاربت عشر سنوات لم يصدر قرار واحد ملزم بتحديد الحد الادنى للاجور فى اى قطاع من القطاعات التى لديها قوى عاملة خاضعة لهذا القانون , وذلك مجاملة لاصحاب الاعمال والمستثمرين بحجة حتى يظلوا مستمرين فى استثماراتهم , وبالنظر الى مستويات الاجور والاسعار يتضح بما لايدع مجالا للشك ان الاجور السائدة اكثر من متدنية ولاتعبر باى حال من الاحوال الاعن قلة ومحدودية الاجور مقارنة باسعار السلع والخدمات المتاحة , واوضح تعبير عن ذلك هو الكساد الذى يعانى منه سوق السلع والخدمات نتيجة عدم توافر السيولة الكافية للسواد الاعظم من العاملين مما ينعكس سلبا على استهلاكهم للسع والخدمات , ومحدودية هذا الاستهلاك فقط فى حدود المواد الاساسية والتى بالكاد تحفظ عليهم حياتهم وتصل بهم الى حد الكفاف , وهذا الامر بالتحديد كان يجب ان يتصدى المشرع له بوضع حد ادنى متغير للاجر يتغير مع نسبة التضخم السنوى , وعلى المستثمرين وضع ذلك فى الاعتبار عند التخطيط لمشاريعهم المستقبلية ودون الجور على حقوق العملين فى الحصول على الاجر العادل والمتناسب مستويات الاسعار , مع ان تكلفة الاجور فى القطاعات الانتاجية لاتمثل الا نسبة ضئيلة من التكلفة الاجمالية للانتاج , كما ان اى زيادة فى دخول الطبقة العاملة ستتحول بالضرورة الى مزيد من الاستهلاك والذى بموجبة يتم تنشيط الدورة الاقتصادية واحداث رواج اقتصادى وبالتالى زيادة الانتاج  وما يمثله ذلك من زيادة الارباح الراسمالية .
        8 ـ استحدث القانون انشاء لجنة عليا لتخطيط واستخدام القوى العاملة فى الداخل  والخارج وقواعد تشغيل الاجانب , وقد اسفر عمل هذه اللجنة فى الحقيقة عن انسحاب دور وزارة القوى العاملة من تقديم الخدمات الاساسية للطبقة العاملة , والتى كان اهمها قيد المتعطلين عن العمل وترتيبهم والبحث وايجاد فرص التشغيل المناسبة لكل منهم حسب احتياجات السوق وحسب مؤهلاتهم وخبراتهم , كما كانت تفعل على مدى اربعين سنة ولكن لان التوجه هو للقطاع الخاص , فنص القانون على ان تقوم به شركات خاصة طبعا تهدف للربح سواء لتشغيل العمالة المصرية فى الداخل او الخارج , دون ان يفرض القانون على تلك الشركات اى ضمانات لصالح القوى العاملة , واقتصر دور الوزارة على الاشراف والحصول على نسبة محترمة من اموال الغرامات التى تفرض على العاملين حال ارتكاب المخالفات على ان تستخدم حصيلة تلك الاموال كمنح للسادة مديرى القوى العاملة فى الادارات والمديريات والوزارة , وانحسر بذلك دور الوزارة عن القيام بالادوار التى انشأت هذه الوزارة من اجلها بما فى ذلك حل مشكلات العمال مع اصحاب العمال والتى لاينظمها قانون بات وقاطع تلتزم به كل الاطراف , ولكن ترك الامر للتفاوض حسب رغبة المستثمر من ناحية ومن ناحية اخرى قدرة العمال على تحقيق مطالبهم والتى فى الغالب لايلتفت اليها كما اثبتت ذلك الاضرابابات المتكررة للعمال على مدى السنوات الماضية والتى لم تسفر الا على مزيد من التشريد والتصفية .
        9 ـ المحاكم العمالية ومنازعات العمل والوساطة والتصالح والتحكيم والتوفيق , من المفترض ان القضاء الطبيعى هو الذى يتولى الفصل فى المنازعات التى تنشا بين العمال وارباب الاعمال ونقصد بذلك الدوائر العمالية فى المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف وذلك وفق قواع محددة ومواد قانونية محكمة الصياغة واضحة المضمون لها صفة كل القواعد القانونية , كما انه من المفترض ان المشرع يقف ويهدف من تشريعاته الوقوف مع الطرف الضعيف وبما لايجور على حقوق الطرف الاقوى , ولكن قانون العمل الموحد نزع هذا الحق من المحاكم المصرية العادية ومن العمال ايضا بالنص على تشكيل محاكم ذات طبيعة خاصة فى تشكيلها من عناصر غير قضائية , اصبح من شبه المستحيل تشكيلها , وعند تشكيلها تصبح قراراتها غير ملزمة لأرباب الاعمال ويجوز لهم عدم تطبيقها والاصرار على فصل العامل نظير تعويض زهيد قد لايدفع ابدا للعامل اذا اصر صاحب العمل على ذلك , كما اوجد القانون 180 لسنة 2008 نصوص جديدة تتعلق بالتسويات الوديه بين ارباب الاعمال والعاملين , وهو نص يلغى القانون الذى من المفترض ان يكون هو المحك لتسوية النزاعات وليس التسويات الودية , مع جواز لجوء العامل للجهه الادارية التى قد تحرك الدعوى امام المحكمة العمالية , او قد يتقدم العامل مباشرة الى المحكمة العمالية والتى بطبيعة تشكيلها لاتعد هى الجهه الصحيحة والصالحة للفصل فى منازعات العمل مع احقية ارباب الاعمال فى التصرف فى مستقبل العاملين لديهم وفق رغباتهم وفق نصوص القانون المعيب , من الوجهتين الانسانية والادارية والذى اعاد المجتمع العمالى الى ماقبل تكوين الروابط المهنية والنقابات , وبما لايتماشى مع الظروف الاقتصادية المصرية من تفشى البطالة وندرة فرص التشغيل , بسبب ضعف ومحدودية مجالات الاستثمار الجاد والهادف للتنية الحقيقية فى غياب رؤية تنموية للحكومات المتعاقبة التى خضعت لتعليمات وتوصيات البنك الدولى وصندوق النقد الدولى , وعجز القطاع الخاص المصرى عن الدخول فى مشروعات انتاجية حقيقية ذات مردود اقتصادى معقول على المديين المتوسط والطويل , وغياب الفكر الاستراتيجى الصناعى لدى الجميع سواء الحكومات الهزيله أواصحاب الراسمال .
        10 ـ صدر هذا القانون وتعديلاته بالقانون رقم 180 لسنة 2008 بصورة عامة وغير محدده فى اغلبها مما استلزم ليس فقط صياغة اللائحة التنفيذية للقانون , ولكن استلزم الامر اصدار اكثر من ثلاثة وثلاثين قرارا لرئيس مجلس الوزراء او قرارات وزارية لتفسير وتقنين بعض الاوضاع التى لم ينص عليها القانون الاصلى , وهو عيب يقدح فى سلامة القانون وقصورة عن الالمام بكافة الجوانب المتعلقة بعقد العمل الذى هو اصل قانون العمل الموحد وتعديلاته والذى من المفترض ان يكون من الاحاطة والتحديد ما يغنى عن هذا الكم الكبير من القرارات الوزارية , والتى يتطلب علم والمام العاملين بها ثقافة ومعرفة كبيرتين حتى يتحقق بمعرفتها الحقوق والواجبات , بمعنى لو كانت مواد القانون محددة وقاطعة وشاملة لتحقق بذلك اولا العلم بالقانون وبالتالى عدم الوقوع فى المخالفة , وثانيا التنظيم لبيئات العمل وظروفة وبما يضمن استقرار الاحوال وبالتالى التفرغ للعمل والانتاج  
       
        د. عوض مطواح   الاسكندرية مايو 2011


السبت، 14 مايو 2011

تطور الانسان والفكر الانسانى


تطور الانسان والفكر الانسانى
        فى ظل النظام الاقطاعى عاشت البشرية عهدا من القسوة والصعوبة والاستبداد نتيجة اغلاق المجتمعات الاقطاعية وتقييد حرية السكان الذين هم اقنان الارض وعدم السماح لهم بمغادرة الارض , ومن يتم القبض عليه يعود مكبلا بالحديد مقهورا حيث غير مسموح لهذه الطبقة بالعمل او العيش خارج حدود الاقطاعية , والتى هى وحدة سياسية واقتصادية شبه  محصورة على القاطنين فيها , فضلا عن ان الاقطاعية وحدة متكاملة منغلقة تماما على سكانها وتعتمد اعتماد كلى على تكريس هيمنة النبلاء والفرسان ورجال الدين على كل نواحى الحياة الاجتماعية والاقتصادية بل والروحية , ومن المعلوم ان المجتمع الاقطاعى مجتمع نظامه الاقتصادى نظام عينى ( غير نقدى ) يعتمد على المبادلات السلعية المباشرة ولذلك لم يكن مسموحا بالغرباء الدخول الى حدود الاقطاعية والعمل فيها اوممارسة اية انشطة من اى نوع , وكانت تنتظم الاقطاعيات الشاسعة تحت لواء الملك الذى تقدم له الاقطاعية قدرا من المال يدفع سنويا نظير بسط ولايته وحمايته على الاقطاعيات المنضوية تحت سيادته .
        وكانت الكنيسة المستفيد الاكبر من هذا النظام حيث كانت تتولى الحصول على عشر ناتج الارض دون اى مجهود او نشاط تبذله هى اكبر المدافعين عن هذا النظام , فضلا عن العوائد التى تحصل عليها نتيجة ادارة اراضى الاديرة واراضى الكنيسة التى كان يعمل بها الاقنان فى اوقات فراغهم تقربا الى الله وانتظارا لملكوت السماوات , كما كان للكنيسة سلطان واسع على الرعايا من ابناء الاقطاعية من اقنان الارض , وكان السادة لايقدمون على عمل الا بعد الحصول على مباركة الكنيسة وموافقتها , كما كانت تروج الكنيسة لمبدأ التفويض الالهى والذى يتضمن : ان الله هو الخالق للدولة وهو الذى يختار الملوك والسادة مباشرة ويؤهلهم للحكم , وبالتالى على الشعوب او المحكمومين السمع والطاعة حيث ان الحاكم يستمد سلطته من الله مباشرة وان من حسن العبادة والايمان الخضوع لاحكام هذا الملك او السيد وعدم الخروج علية والقبول والرضا بسيادته وحكمه , فضلا عن الاعتراف له بحق الطاعة لأن السادة مسئولون امام الله فقط ولا يجوز لأحد مهما كان محاسبتهم , وكان هذا احد الاسباب التى ادت الى طغيان الحكام والسادة وبالتالى قهر المحكومين والاقنان .
        تطورت حياة السادة من النبلاء والفرسان الى مزيد من الترف , كما زادت الخلافات والتناحرات بينهم , مما كان سبباً فى طلبهم مزيدا من الاموال والثروات وذلك بالحصول على الكثير من نصيب اقنان الارض , والذين كانوا يحتفظون بالقدر الضرورى لاستمرار حياتهم من المحاصيل التى ينتجونها بعرقهم وكدهم الخالص والذى لم يكن يساهم فيه السادة باى قدر او تمويل , مما ارهق الاقنان وقلل من قدرتهم على الاستمرار فى هذا الوضع الذى لم يعد يترك لهم القوت الضرورى لاستمرار حياتهم , مما اضطر معه كثير من اقنان الارض للهرب من اقطاعياتهم التى عاشوا فيها فى ذل وحرمان وقهرواستبداد ، ولم يكن لهم ملجأ الا المدن الجديدة والتى يستطيعون فيها الهرب من سلطة حكامهم القدامى وجبروتهم وقسوتهم وسلب كافة ما ينتجونه من الارض .
        ومع تقدم الحياة وتطور المجتمعات نشأت وتكاثرت المدن وخاصة عواصم الممالك والدول ونشوء مجتمعات مختلفة تماما عن تلك السائدة فى المجتمعات الاقطاعية  , ونشأ مايعرف بالدولة بمفهومها الحديث , اى مجموعة السكان الذين يعيشون على ارض واحدة ولهم نظام حكم ثابت ينظم حياتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من نواحى الحياة المختلفة , وينظم علاقاتهم الخارجية مع غيرهم من الدول والممالك , وكان اول ما ظهرت فى اوربا وبالذات فى فرنسا فى عصر ملكها لويس الحادى عشر , ثم بعد ذلك فى انجلترا فى عهد الملك هنرى الثامن , وقد استتبع ذلك ظهور انشطة اقتصادية وحرفية منظمة من خلال تجمعات وتنظيمات لم تكن موجودة من قبل , كما بدأت تظهر الى الوجود فئات جديدة كالصناع والتجار ورجال القانون وغيرهم ممن تطلب النمو وطبيعة العيش وجودهم , ثم بدأت العديد من الانشطة الانسانية فى الظهور تباعا والتى كان اهمها الكشوف الجغرافية وما ترتب عليها من استجلاب الكثير من الخامات والسلع والثروات من المناطق المكتشفة وظهور الحاجة الملحة الى تصريف وترويج تلك السلع , حتى يمكن للحياة وفق هذا النشاط من ان تستمر خاصة ان هذه الانشطة قد عملت على زيادة الثروات , فضلا عن تصريف السلع التى كانت تنتجها هذه المدن وضاقت الاسواق المحلية عن استيعابها , وبما ادى فى بعض الاحيان لظهور بطاله محدودة وركود , وهى مشكلات صاحبت نمو المدن وفق نظم اقتصادية لم تكن موجودة من قبل .
        حاول التجار الجدد والذين اصبحوا من كبار اصحاب الثروات الضخمة الترويج لما تحت ايديهم من السلع التى كان ينتجها الحرفيون واصحاب المهن اليدوية من سكان المدن وكذلك السلع الوافدة من المناطق حديثة الاكتشاف فى اسيا وافريقيا وامريكا والتى عرفت بالارض الجديدة , وذلك عبر الاقطاعيات القديمة والتى كانت تقاوم ذلك بشدة خوفا من تسرب الثروات خارج حدود الاقطاعيات والتى كانت تحيا حياة الاكتفاء من الغلات والنواتج الزراعية المختلفة من ناحية , ومن ناحية اخرى الحيلوله دون هروب المزيد من اقنان الارض , والذين كان من اسباب هروبهم ضعف هذه الاقطاعيات وتدهور الحياة الاقتصادية وتداعيها فيها , كما حاول هؤلاء التجار الترويج لانشطتهم فى الانتقال والتجارة عبر تلك الاقطاعيات , وبما يضمن لهم كسب مزيداً من المنفعة والربح والازدهار وتبادل المنافع مع منتجات تلك الاقطاعيات والتى تقاوم ذلك بقدر ما تسطيع للمحافظة على حقوق السادة ومكتسباتهم , ومن هنا نشأت الدعوة المعروفة تاريخيا ب: دعه يعمل ..دعه يمر  , وذلك ايذانا ببزوغ نشاط اقتصادى اكثر تطورا واكثر قدرة على التعامل مع المعطيات التى انتجها ما اسفرت عنه الكشوف الجغرافية ونمو واتساع المدن واشتمالها على انماط من الانشطة الاقتصادية المستحدثه , وبما ادى بعد ذلك الى ضعف وهدم واضمحلال النظام الاقطاعى برمته , ومهد لظهور, الطبقات البرجوازية .
        وبالتزامن مع نشأة وتطور المدن والكشوف الجغرافية واتساع حركة التجارة مع العوالم التى لم يكن الوصول اليها سهلاً من قبل . حدثت ثانى اهم ثورة فى تاريخ البشرية وهى الثورة الصناعية والتى اسهمت اسهاماً غير محدود فى تغيير وتطوير الفنون الانتاجية السائدة ( التكنولوجيا ) وما ترتب عليه من سيادة  انماط جديدة للانتاج تعتمد على استخدام الالات الميكانيكية و تجميع القوى الانتاجية وتركيزها فى ما اصبح يعرف بالمصنع وما ترتب عليه من التخصص و تقسيم العمل وظهور هذا المصطلح الهام لاول مرة فى التاريخ البشرى وتطور وتغيير القوانين الحاكمة من : الاستسلام مقابل السكن والطعام فى النظام العبودى او الرق ثم: الولاء مقابل الامن فى النظام الاقطاعى , ثم اصبح هذا القانون ولاول مرة فى تاريخ الانسان : قوة العمل فى مقابل الاجر , ولاول مرة ايضا تصبح القوة الجسدية والجهد الانسانى سلعة كاى سلعة لها ثمن تباع وتؤجروتشترى .
 كما ظهر فى هذا الوقت مصطلح جديد لم يكن معروفا من قبل وهو مصطلح البرجوازية او ان يسمى الشخص برجوازى وهى تعنى فى الاساس ساكن المدينة من التجار واصحاب الرأسمال والموظفين الرسميين حيث يتكون اللفظ برجوازى من مقطعين : برج اى مدينة فى اللغة اللاتينية و: وازى اى ساكن وبهذا يكون معنى الكلمة اصطلاحيا ساكن الدينة ولكنه من حيث المعنى الاجرائى : ان البرجوازى ليس كل سكان المدن ولكن ذلك الشخص المنتمى الى الطبقة المتميزة من سكان المدن الذين يمتلكون المال او المقدرة على تنظيم الاعمال والانشطة الاقتصادية او الفكرية دون ان يمارس اى منهم عملا يدويا او بدنيا وهم من عرفوا فيما بعد بذوى الياقات البيضاء من التجار والحكام والمنظمين والمفكرين ومن يماثلونهم من غير العمال او الفلاحين , مثل المعلمون والمحامون والكتاب والمفكرون والمحاسبون والاطباء وغيرهم ممن يعملون فى قطاع الخدمات العامة .
        فى هذا المناخ المتسم بالتغيرات السريعة وعدم الاستقرار فى البناءات الاجتماعية والوظائف الاجتماعية والاقتصادية , والتغير السريع فى القيم الاجتماعية والاقتصادية وتغير فى البناءات القيمية للافراد والمجتمع , ظهر العديد من المفكرين والعلماء والمصلحين من النابهين من ابناء المدن , والذين حاولوا تفسير التغير الاجتماعى والاقتصادى ودراسة اسبابه ودوافعة , وطرائق التعامل مع تلك التغيرات وفهمها ومحاولة السيطرة عليها بما يضمن استقرار الاوضاع وتحسين ظروف الحياة ,  والذين كان لجهودهم الفكرية الرائعة اكبر الاثر فى تغيير نظرة افراد المجتمع للحياة والنظام العام ونظم الحكم , والتى كان من نتيجتها تنوير المجتمعات وتسهيل كسبها للتطورات الجديدة فى المجتمع من شيوع التخصص وتقسيم العمل وسيادة الافكار الثورية بمفهوم ذلك العصر, وبما يعنى نزع القداسة عن كثير من الافكار والاشخاص والمواقع التى سادت قبل تلك المرحلة والتى من بينها الاصلاح الكنسى ونشوء مذاهب دينية جديدة بشرت بمنح الانسان مزيدا من الحرية والعقلانية , وكذلك نشأة العلوم التجريبية بالمفهوم الحديث القائم على التجربة والتحليل والمقرنة وفق قواعد العلم الحديث المعروفة الان وبالتالى سقوط الخرافة والابتذال .
        عرف هذه الحقبة التاريخية بعصر النهضة والذى اتسم بكثير من الافكار الثورية التى تدعوا الى الاصلاح فى جميع نواحى الحياة الفكرية والدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية , وتقدير واحترام اصحاب المواهب والافكار المتميزة والعلماءوالمخترعين من ابناء هذا العصر , فكما كان التمرد البروتوستانتى على هيمنه وفكر الكنيسة الكاثوليكية هو اول دعوة لالغاء المقدس وبالتالى تمكين الانسان من التحرر من الخوف والخرافة , وسيادة النظرة العقلانية الى الكون والبشر والحقائق والظواهر والاحداث , ثم حاول هذا الفكر الجديد تحرير الانسان واعلاء قيمته , والدفع به نحو افاق المشاركة وممارسة الديمقراطية .
        وكان من اهم افرازات هذه المرحلة ظهر فكرة العقد الاجتماعى لتحل محل التفويض الالهى , ومجمل نظرية العقد الاجتماعى : ان الدولة (ارض او اقليم وسكان اى بشر وسلطة تنظم وتحكم هذا الكيان ) وهى هنا تمثل السلطه ترجع وتعود الى الارادة المشتركة لافراد الجماعة الذين اجتمعوا واتفقوا على ايجاد مجتمع سياسى يخضع لسلطة عليا , وبما يعنى ان الدولة فى الاصل قد وجدت بناء على عقد اتفقت علية وصاغته الجماعه السكانية من ابناء هذا الاقليم , وقد تصدى ثلاثه من كبار مثقفى ذلك العصر ومفكرية وفقهاءه على شرح وتفسير ذلك العقد على النحو التالى :
        هوبــــز:  يرى هذا المفكر النجليزى ان الانسان كان يعيش قبل ظهور الدولة فى حالة فوضى مبعثها الشر المتأصل فى نفوس البشر , وكانت الغلبة للأقوياء والحق يتبع القوة , وبمواجهه هذه الحالة من الفوضى والعشوائية البدائية والتماسا للامن والاستقرار فقد بحث الناس عن وسيلة لحمايتهم , وكانت هذه الوسيلة هى اتفاقهم على اختيار شخص من بينهم يكون هو الرئيس عليهم ويتولى نظير ذلك رعاية مصالحهم وحمايتها .  ويرى هوبز ان الحاكم لايكون طرفا فى العقد , وانما يعقد هذا العقد كل الناس والسكان الاهو , ويتنازل الناس طواعية بموجب هذا العقد عن جميع حقوقهم طواعية بدون قيد او شرط , وبما يعنى ان سلطته مطلقة ولا يجوز مساءلته عما يفعل اى ان سلطته مطلقة .
        جون لوك : وكان هذا المفكر ذو رؤيه اكثر تطورا وتقدمية من ( هوبز )  حيث انه كان يرى ان الانسان والجماعة البشرية لم يكونوا يعيشون فى فوضى , وانما كانوا يتمتعون بحريتهم فى ظل القانون الطبيعى ( غير المكتوب ) ولكن هذا القانون كان غامضا وليس له تفسير محدد ولكنهم كانوا متشابكى المصالح المتعارضة فى بعض الاحيان , ولذلك قرروا ان يتركوا هذه الحرية المطلقة الى نوع من النظام يكفل لهم التعاون فيما بينهم , على ان يخضعوا لسلطان عادل عن طريق اختيارهم الحر ليتولى احدهم بالتالى القيام بامورهم , والافراد وفق نظرية هذا الفقيه لا يتنازلون عن كل حقوقهم للحاكم , ولكن يحتفظون بالحريات والحقوق الاساسية لهم , كما ان الحاكم هو طرف فى العقد , ولذلك يجوز لهم عزله اذا اخل بشروط العقد الى اتفقوا عليه .
        جان جاك روسو : يرى هذا الفيلسوف ان الانسان كان يعيش قبل نشأة الدولة فى حرية كاملة , ولكن تعارض المصالح والميول والنزعات الشريرة لدى هؤلاء الناس , فقد اضطرت الافراد الى البحث عن عن نظام سياسى  يكفل لهم الامن ويحقق العدالة , فتعاقدوا على انشاء مجتمع سياسى يخضع لسلطة عليا , ويعتبر هذا العقد فى حد ذاته اساس نشأة الدولة وسند السلطة معاً, واساس العقد عند هذا المفكر ان الافراد تنازلوا عن حرياتهم الطبيعية للجماعة , مقابل الحصول على حريات مدنية جديدة يكفلها المجتمع على اساس المساواه , وان العقد تتولد عنه اراده عامة هى ارادة الجماعة اى ان الافراد يتنازلون عن حقوقهم للجماعة وليس لشخص الحاكم , وان الارادة العامه للجماعة مستقلة عن ارادة كل فرد على حدة , وهى مظهر لسيادة المجتمع وتعبير عن هذه السيادة , ولايجوز التنازل عن هذه السيادة , اما الحاكم هنا فهو ليس طرفا فى العقد , ولكنه وكيل عن الامه والجماعة وفقا لارادتها وللامه حق عزله متى ارادت ذلك , وهذه النظرية وفق هذا الطرح هى اقرب مايكون لروح الديمقراطية الحقيقية حيث اماطت بالامة حقوق السيادة وانها مصدر السلطات .
        د. عــــــوض مطواح